وغادر الأستاذ مبتسماً

( وغادر الأستاذ مبتسماً )

 

بقلم :- يوسف عبد الحميد الجاسم

 

الأحجارُ الكريمةٌ فى الكويت تتداعى واحدة تلو الأخرى , فما نلبث أن نلملم جراح فقد أحدها حتى يفجعنا فقدان أخرى .. وهم جميعاً شكلوّا لوحة زاهية لمراحل من تاريخ الكويت , زخرت بأمثالهم من الوطنيين والمثابرين والمبدعين والمتميزين , كل فى ميدانه وملعبه ..

 وبالأمس  غادرنا سليمان المطوع ( رحمه الله ) وتوارىّ خلف ستار الغياب الأبدي بعد أن ملأ دنياه عطاءاً وطيبة وسيرة وضاءة .

برحيل الأستاذ والمعلم سليمان عبد الرازق المطوع , يتوارى ركن من أركان الزمن الجميل , ورائد من رواد التنوير فى وطني , وإنسان لم يحمل همّاً سوى هم الإنسان ولم يشغله أمرُ سوى العلم والتعليم .

فلقد كان من طلائع المعلمين والنظار فى مسيرة التعليم فى الكويت , وفى ذلك الموقع تحديداً إكتسب لقب (الأستاذ) , فنادراً ما ينادى بغير لقب

 ( الأستاذ سليمان ) , بعد أن أطل بإبتسامته المعهودة على تلامذته فى ثانوية الشويخ فور إنهائه تعليمه فى بريطانيا أواخر الخمسينات من القرن الماضي ليعلمهم اللغة الانجليزية ثم ليصبح اول ناظر كويتي لذلك الصرح التعليمي الشامخ ويترك بصمات تربوية وتعليمية وإدارية كبيرة لا زالت محفورة في ذاكرة كبار قياديي الدولة الذين كانوا تلاميذاً عند (الأستاذ سليمان المطوع ) .

ثم وجدناه يحمل إبتسامته وشغفه بالتعليم الى شاشة تلفزيون الكويت فى مقتبل بزوغها أوائل الستينات ليعطي دروساً مبسطة بتعليم المشاهدين تلك اللغه , كيف لا ؟ وهو (الأستاذ سليمان ) ..

 

 

أستاذنا الراحل , خلقه الله ليكون متابعاً ومهتماً بالشأن العام والشأن الثقافي والأدبي والسياسي , وأختير وزيراً للتخطيط فى عام لم يهمله فيه الغزو العراقي لإنفاذ أفكاره  في التخطيط لمستقبل الكويت والذى تشّربه عبر توليه مسؤولية مدير عام المعهد العربي للتخطيط , ولكنه طوال فترة الاحتلال وحتى مابعد التحرير أبلى بلاءاً واسعاً فى المجاهدة بالرأي والحوار عبر الشبكات الأجنبية من أجل تحرير الكويت , وسطّر إسمه براقاً فى سجل البارزين من أبناء الكويت الذين كانت قضية العودة إلى وطنهم شغلهم الشاغل وأفنوا في سبيلها جهدهم ووقتهم وإمكانياتهم .

(الأستاذ سليمان ) كان من أفضل من يصغي للمتحدثين , لينهي صمته برأي محدد مختصر يلخّص أطروحات طويلة , ويشخّص بعين وفكر الخبير ويحلل دون انفعال , ويصف العلاج دون مجاملة ..

زاملته كأحد الرواد المؤسسين (لمنتدي التنمية الخليجي ) الذي يضم كوكبة من مثقفي وسياسي وأدباء ومفكري دول مجلس التعاون الخليجي , ولم يغب رحمه الله عن أي من إجتماعات (المنتدى السنويه) خلال أربعة وثلاثين عامآ آخرها المنعقد فى الكويت فى شهر فبراير الماضي , ويشغل (الأستاذ سليمان المطوع ) والدكتور على فخرو من البحرين , مقعدي الحكمة فى ذلك المنتدى الهام الذي سيفقتد ركناً أساسياً من أركانه بغياب (أبا حسام ) رحمه الله .

 

 

 

 

 

 

حين تردك مكالمة هاتفية من ( الأستاذ سليمان ) أو يلتقي بك يبادرك بسؤال اليوم مقروناً بضحكة تحدد موقفه من إجابة السؤال ؟! وتجده متنقلاُ بين الديوانيات والمنتديات والندوات الثقافية والأدبية مشاركاً بآراءه عبر وجه لاتفارقه الابتسامة وفكر يدفعك دائمآً نحو التفاؤل .. فهو من جيل لم يعرف اليأس ولا يعرف التراجع , لذلك استمر وحتى آخر أيام حياته الزاخرة بالعطاء , مثابراً على عمله فى مؤسسته التعليمية الخاصة , مشتغلًا بشأن التدريب والتطوير والتأهيل لتسليح الناشئة بذخيرة العطاء لوطنهم فى مختلف مواقع العمل ..

قاوم بروح المقاتل مرضه العضال .. وواجه متاعبه بوجه لم تفارقه الابتسامة التى أفصحت عنها آخر اللقطات مع رفيقة دربه الإنسانة والإعلامية الرائدة والمتميزة ( الأستاذه فاطمة حسين ), وهي تحتضن رأس زوجها الراحل الكبير وتضمه برفق الى صدرها الحانى ..

هكذا غادر (الأستاذ ) مبتسماً , وهكذا هو شأن الكبار أن يغادروا كباراً وهم يموتون ولا يغيبون .. فسيظل (الأستاذ سليمان المطوع ) حاضراً بفكره وابتسامته بين محبيه وأهله وأصدقائه ولن يغيب ..

له الرحمة الواسعة , ولأم حسام الكبيرة وأبنائه الكرام أحر التعازي ...

وإنا لله وإنا إليه راجعون،،،

 

                                             يوسف عبد الحميد الجاسم

                                                 31/7/2013