مكافحة الفساد و (فساد المكافحة)

ليس بمستغرب إلغاء وجود هيئة مكافحة الفساد كنتيجة لحكم المحكمة الدستورية بعدم توافر شرط الضرورة بمرسوم تشكيلها، إنما المستغرب صدور ذلك المرسوم في فترة حل المجلس تحت مسّوغ الضرورة الذي تنص عليه المادة ( &<639;&<633; ) من الدستور ، حيث

كان على الحكومة ومستشاريها القانونيين وبالذات (إدارة الفتوى والتشريع) التثبت من صواب إصدار التشريع بصيغة مرسوم الضرورة قبل (11 يوم) كانت تفصل بينه وبين انتخاب المجلس الجديد في الأول من ديسمبر 2012 في حين أن الفساد كان وقت صدور المرسوم حقيقة ماثلة ومزمنة ولم يك مفاجئا يستوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير!! ولكي لا تتحّمل الدولة نفقات وتبعات صدوره الخاطئ و(إلغائه) الذي كان مرتقبا !، فضلاً عن خلق حالة الارتباك بشأن المراكز القانونية والأدبية التي ترتبت سواء على مصير الجهاز الوظيفي الذي يرأسه واحدٌ من رجال القضاء الأفاضل ومعاونيه من أجهزة الهيئة، أو التي ترتبت على إحالات عدد من كبار الموظفين للتحقيق أمام النيابة العامة ووقفهم عن أعمالهم، مع كل ما ترتب عليه من إضرار بسمعتهم وأوضاعهم الوظيفية بالرغم من مبدأ  (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) ، وأضِف على ما تقدم ما تم الإفصاح عنه من ذمم مالية لبعض كبار المسؤولين وغيرهم ممن بادر، في حين أن من تلكئوا في ذلك، أصبحوا هم الفائزون!!

 

المهم الآن التدارك الصائب لأخطاء الحكومة التي تقع بها كلما انفردت بالقرار، وهنا تنهض مسؤولية مجلس الأمة عن تصويب المسار ووضع هذه القضية الوطنية الكبرى  على السكّة الآمنة تشريعياً وإجرائياً، وكذلك فإن المجلس مسؤولٌ عن (تدعيم ) لا (تقليم )أظافر الهيئة في معالجة الفساد، وإلحاقها  كجزء من سلطات الرقابة في الدولة، لا  كتابع لمجلس الوزراء ، للنأي بالحكومة عن مواقع الشبهات مع احترامنا للجميع .

 

ولعل من محاسن النائب الراحل (نبيل الفضل) أن عكف قبيل وفاته رحمه الله على  إعداد مشروع بديل متكامل لهيئة مكافحة الفساد لسد فراغ إلغاء المرسوم، وبكل التقدير علمنا بتبني الأخ الفاضل مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة لمقترح الفقيد ( بو براك ) ليطرحه على المجلس لإقراره ونأمل أن يتم ذلك في أول جلسة قادمة له، وهو ما أكده رئيس المجلس قبل يومين، وهذا هو العشم في السلطة التي تقع على عاتقها مسؤولية التشريع والرقابة في آنٍ معاً.

 

إن بطء المعالجة  لهذه القضية الهامة والتسويف فيها سيوقع البلد  في مأساة ( فساد المكافحة، لا مكافحة الفساد!! ) وهو ما سيئِدها في مهدها، خاصة بعد أن سمعت من أحد النوّاب    (وآمل أن لا تكون له أغلبية مؤيدة) بأنه غير مقتنع  بمبدأ إفصاح الوزراء والنوّاب عن ذممهم المالية ، و من وجهة نظره فإنه لأمرٌ تعجيزي أن يطلب منهم ذلك من خلال قانون

 

 

مكافحة الفساد  ، متناسيا  أنه لو جلس في بيته فلن يسأله أحد عن مضامين حساباته، وهو شأن كافة الديمقراطيات المحترمة في العالم .

 

أخيرا، فإن (فساد المكافحة ) يمثل خطورة أكبر من الفساد نفسه، الذي جثم ولا يزال على صدورنا دهوراً طويلة، وانتهينا معه إلى قضايا كبرى&<648; لن تفارق ذاكرة منها الإيداعات المليونية لبعض النواب ، واختلاسات (الناقلات) ، وأخيرا (فضائح التأمينات)...

والله يستر من القادم !!

يوسف عبدالحميد الجاسم

29-12-2015