حمد مات واقفاً

حمد مات واقفاً

 

 حمد الجوعان قامة وطنيه شامخة، غيّبه الموت قبل أيام دون أن يفارق ذاكرة وطنه الذي أحبه وأوفى ديونه له عطاء واستنارة ومثابرة وإتقان وتضحية وإقدام ،ودفع أثمانها من دمه واستلاب صحته طوال ربع قرن هو عمر الرصاصة الغادرة التي أطلقها جبان ملثّم على عنقه بعد أن أرّق عتاة الفساد، فاختاروا فجر التحرير موعداً للانتقام من ضحيتهم متسترين خلف حُجُب ظلام الغزاة وهم يغادرون أرض الكويت.
)
أبا عبدالله ) لن يغيب عن ذاكرة الشعب الذي بادله إخلاصاً بإخلاص ووفاء بوفاء وحباً بحب، لأنه سطّر سفر خلوده بإنجازاته في ميادين الإدارة والسياسة، سواء بسواء.
فهو مهندس وصانع صرحاً شامخاً من صروح الكويت التي تفاخر بها كأنموذج نادر للتميّز والألق ، وهي (مؤسسة التأمينات الاجتماعية) فلسفة وفكرا وقانوناً ونظاما ومنهج عمل وإدارة، اعتكف في سبيل إعداد منظومتها ستة شهور متواصلة بجهد ومثابرة قل نظيرها.

حين غادر إدارة التأمينات الاجتماعية إلى معترك العمل السياسي عبر البرلمان ، سطّر أروع الدروس في صلابة المواقف ورصانة الطروحات، ومنهجية المعارضة الواعية ، وفروسية الاختلاف، وذلك مع نجوم مرحلته من رموز العمل البرلماني والشعبي وقاماته الباسقة ، (من رحل منهم إلى جوار ربه ومن هم على قيد الحياة)، وصنّع  ( بو عبدالله ) معهم مجد التجربة البرلمانية الكويتية في الرقابة والتشريع  حيث كانت محط أنظار القاصي قبل الداني، وكان مع رفاق دربه شوكة في حلق الباطل، وخاصرة الفساد.

 


قدّم حمد الجوعان ما تبقى من حياته بعد التحرير قرباناً للوطن الذي حرص على البِر بقسمه بأن يكون مخلصاً له، وذائداً عن  حريات الشعب ومكتسباته الديمقراطية، ومصالحه وأمواله ومؤدياً أعماله بالأمانة والصدق، وأمضى ربع قرن  من عمره حبيس بيته ومشفاه وسريره، وضحية رصاصة الغدر التي أتلفت نخاعه الشوكي، واستمر مؤمناً بقضاء الله وقدره ، شاخصاً ببصره وبصيرته  عبر الأفق ، ومتابعا بحسرة مآل الأمور في وطن بات نهباً للمفسدين والجائرين وسراق المال .

غادرنا حمد الجوعان إلى رحاب ربّه شامخاً  باحتفاء مهيب يليق به وبقامته الوطنية النقية، لينضم إلى كوكبة الأخيار من رموز العمل الوطني الذين تواروا عن دنيانا واحداً تلو الآخر بسيرة محمودة وصفحات نقية.

لك الرحمة يا ( أبا عبدالله) بعد أن عشت كريماً وُمتّ كما الأشجار واقفاً، ومضيت مخلفاً وراءك أسئلة معلقة كبيرة حول اليد الآثمة التي سعت لاغتيالك وتركتك جريحا مقعداً تصارع آلامك بجَلد الصابرين حتى يوم وفاتك.
عظم الله أجر الكويت بفقد ابنها البار )حمد عبدالله الجوعان )، ونأمل بتخليد لاسمه يليق بقامته.