العم جاسم القطامي ...كتيبة من الرجال

العم جاسم القطامي ...كتيبة من الرجال


بقلم / يوسف عبد الحميد الجاسم

 

فور سماع نبأ انتقال الفقيد الكبير العم جاسم القطامي إلى رحاب ربه، هرعت الى مخزون الذاكرة لاستعادة عبق تاريخ ذلك المناضل الفذ الذى تمثلت فى سيرته هو ورفاق دربه من كبار أقطاب ورموز العمل الوطني النقي فى الكويت، جملة من القيم الرصينة التي عز وجودها فى زمننا الرمادي الحاضر.

إن من عاصر مثلي واقترب من ذلك الصرح الوطني الشامخ، لا يملك إلا أن يفتخر بكل لحظة خالطه وعمل معه فيها ، ولا يستطيع أي ممن نشأ فى كنف التثقيف الوطني الثري والراقي الذي مثلثه مدرسة (العم جاسم القطامي) إلآ أن يرفع رأسه عالياً بانتمائه إلى هذه المدرسة التى أقامها الراحل الكبير وكوكبة من رفاق دربه  علي أعمدة النقاء والالتزام والنزاهة والصلابة الوطنية. مدرسة لا تعرف التلون ولا ألانتهازيه، ولاسوء الخطاب ولا فنون تشويه الاخر ممن يختلفون معه فكراً او رأياً.

قاد الراحل الكبير أجيالا من الشباب الكويتي،منغمساً ومجتهداً ومثابراً على إقامة دولة الدستور والديمقراطية، دولة القانون وحقوق الانسان، والتى بشَر فيها منذ إعلانه التاريخي عام 1958،في احتفال ثانوية الشويخ نيابة عن كتلة العمل الوطني:

(لقد أن الأوان للكويت أن تنتقل من نظام حكمها العشائري إلى دولة الدستور والقانون والنظام الديمقراطي)، ولقد مثل ذلك الاعلان رافعة العمل الوطني خلال عقد الاستقلال وماتلاه من عقود، وكان نبراس للحراك الوطني جيلاً بعد جيل، ومنذ صدور دستور 1962 زرع الراحل الكبير فى عقول وقلوب ووجدان رفاقه وأبنائه ومحبيه وتلامذته ومريديه، قيم الصلابة دون استبداد، والتسامح دون تفريط وشجاعة قول الرأي وفضائل قبول الرأي ألآخر وكان يردد على الدوام رحمه الله نقلاً عن أحد فلاسفة الثورة الفرنسية: ( أقول رأيي، وأنا على استعداد ان اقدم حياتي ثمنا لأن تقول أنت رأيك)  ، كما كان اعتناقه السياسي الاخير الذي اجتهد فى زرعه بمن حوله (عليكم المضي بالنهج العاقل الهادئ الحبيب) الذي لا ينفر منكم الاضداد والخصوم، وهو النهج الذي يجمع ولايفرق، يصون ولا يبدد.

 

سعت إليه المسئوليات منذ أن أنهي تحصيله الدراسي فى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وشاح بوجهه عنها حين تعارضت مع مبادئه ومعتقداته فا خلاصه لأمته العربية ومبادئه الانسانيه لم يكن أقل إخلاصاً من وفائـه لوطنه وأبناء شعبه.

لم يشغله انتمائه الاجتماعي، وفرص تكوين الثروة السانحة امامه حينذاك عن هموم الناس والسعي لرعايتها وتحقيق صالح الوطن

لم تثنه الحروب التي ووجه بها في رزقه ومصادر عيشه عن الوفاء لمبادئه والذود عنها مهما كانت النتائج ، وأشتهر الراحل الكبير في قول كلمة الحق دون أن يخشى لومة لائم ، ولم يتردد في يوم عن صد الخطأ والدفاع عن الحق حيثما يكون .

العم جاسم القطامي رحمه الله كان من صنف الرجال النماذج الذي لا يتكررون بسهولة ، وهو كتيبة من الرجال في رجل واحد سياسة وفكراً وعلماً وثقافة وأدباً وإنسانية ، وهو (منظومة متكاملة من العطاء) كما وصفته د/سهام الفريح  والاستاذ/عبدالله غلوم الصالح  في مؤلفهما الرصين عن الفقيد.

كان يتألم في أواخر حياته لحالة الاحتراب والتشظّي والتقاتل البيني الذي نعيشه منذ التحرير وحتى يومنا هذا ، وكان يتحسر على الانقلابات المتتالية التي يمارسها بعض حديثي العهد بالعمل السياسي على القيم التي بشر بها وعمل من اجلها هو ورفاق دربه من روّاد وأقطاب العمل الوطني في الكويت منذ العشرينيات من القرن الماضي حتى عهد قريب ( ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تـَبديلا).

قبل أسبوع غادرنا رمز من رموز العمل الوطني المرحوم (عبد المحسن الدويسان) ليلحق به رفيق دربه العم جاسم القطامي، ولكن سنة الله في خلقه قضت بأن تغادرنا نجوم نحن في أمس الحاجة إلي حكمتها وخلقها وعطائها في هذه الأيام وعزائنا في ذلك أن الرجال النماذج تبقى سيرهم نبراساً يضيء الظلمات .. وهم يموتون ولا يغيبون..

رحمك الله يا (أبا محمد) وعوض أهلك ووطنك ومحبيك خيراً في فقدك ، وانا لله وانا اليه راجعون .

 

                                                              يوسف عبد الحميد الجاسم

                                                                      1/7/2012