(( ورمت الأبنودي المقادير))

 (( ورمت الأبنودي المقادير))

بقلم يوسف عبد الحميد الجاسم الصقر

بالأمس رحل عن دنيانا الأخ والصديق الشاعر(عبد الرحمن بن الشيخ محمود الأبنودي) بعد صراع مرير مع المرض الذي حاصره خلال العشر سنوات الماضية وألزمه منفى إجباريا في الإسماعيلية بعيدا عن بيته في المهندسين في القاهرة، حيث لم تعد رئتاه تقوى على التعايش مع التلوث الهوائي فيها والذي كاد أن يُحد من عطاءاته الأدبيه المتدفقة .

رحم الله ذلك الفارس الأسمر المعجون دمه بالصدق والوفاء، فياض القريحة، واسع الثقافة، ولكأنك تحسبه دار معرفة شاملة في الآداب بمختلف فروعها، وهو بدون شك كان قامة ثقافية عربيه وركنا من الأركان البارزة لشعر العامية والشعر الغنائي على امتداد العالم العربي، وكان أبرز شعراء جيله من العمالقة أمثال صلاح جاهين وأمل دنقل وأحمد فؤاد نجم .

رحم الله الأبنودي صديق الكويت ونصيرها دون تردد في ظلمات الغزو العراقي والذي قال فيه شاعرنا الكبير  الدكتور خليفه الوقيان حين قدم له في التاسع من يناير &<633;&<641;&<641;&<633; حيث أقيمت الأمسية الشعرية التي دعت إليها الرابطة الكويتية للعمل الشعبي في القاهرة، ليلقي فيها الشاعر الكبير ملحمته المشهودة( الاستعمار العربي) والتي كانت حربة في صدور الغزاة وأعداء الكويت من مدعي العروبة:

( الأبنودي أنموذج فذ للمثقفين والفنانين والأدباء الذين يضعون الكلمة حيث ينبغي لها أن تكون، سراجا يبدد حجب الزيف حين تحاول أن تلتف حول عنق الحقيقة، وحربة مسددة في مواجهة الباطل

هذا الأنموذج النفيس في تعدد مواهبه وتنوع إبداعاته، يتدفق عطاءه تدفق النيل الذي يهب بلا منه، ويفيض على الحقول فيزيدها خصبا ونماء.

وإذا كانت مصر هبة النيل منذ بدء الوجود، فهي هبة الثقافة والحضارة التي رفع ويرفع بنيانها منذ نحو سبعة آلاف عام المفكرون والمثقفون والفنانون والأدباء أمثال ( الأبنودي) وهم الذين تسموا أقلامهم عن الهوى وتترفع محابرهم عن الدنس، وتنبذ صحائفهم استضافة زيف المتاجرين وأباطيلهم ، وهم الذين يصدحون بالحق حين يلوذ بالصمت خرس الشياطين.

عبد الرحمن الأبنودي كان صورة لمصر العروبة والمبادئ، في نبراته حنين سواقي ريف مصر حينا،وأغاريد بلابله حينا آخر، وفيه شموخ نخيل مصر الذي لا تهزه الرياح، ورقة نسائمها مع خيوط الفجر الأول (.

 

لقد تشرفت في عام &<633;&<641;&<641;&<633;بالكتابة نيابة عن الرابطة الكويتية للعمل الشعبي في القاهرة تمهيد الإصدار الثاني لملحمة (الاستعمار العربي) التي كتبها الراحل الكبير الشاعر عبدالرحمن الأبنودي رحمه الله ضمن الأوبريت الشهير ( الليلة المحمدية) الذي عكف على إعداده نقيب أحباب الكويت في مصر الراحل الصديق (وجدي الحكيم رحمه الله) وكان ذلك الأوبريت شوكة في حلق الباطل، فقلت في التمهيد:

(عبدالرحمن الأبنودي وقف منذ اللحظة الأولى لوقوع العدوان العراقي  إلى جانب الشعب الكويتي في محنته وحقه في العودة إلى وطنه، وكشف زيف وأباطيل المعتدين، وتفاعل بفطرته مع نبض الجماهير، وهو الشاعر الذي لم تخطئ بوصلته قط الاتجاه الصحيح الذي ينتصر للحق، فيقول كلمته المنسجمة مع ضميره و قناعاته ولا يخاف فيها لومة لائم).

رحمك الله يا أبا ( آية ونور) وخالص عزائنا لهما ولحرمك أمهما الفاضلة ( نهال) والأسرة الأبنودية الكريمة، والشعب المصري  العربي العظيم.

ونعزي أنفسنا كإخوة وأصدقاء لك، ونعزي الكويت بفقد واحد من أصدق محبيها.. 

للأبنودي الرحمة والمغفرة بعد أن (رمته المقادير) كما تنبأ.

 

يوسف عبد الحميد الجاسم الصقر

Email: yousef@6ala6.com

                                                                                                                    22-4-2015