(( تنظيرات هيكلية))

حين وقع زلزال الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990 ، داهمت أسماعنا وأبصارنا كشعب عربي مشرد في المنافي ومحاصر في الداخل، وفي هجير صيف لاهب داست به سنابك الغزاة على كرامات وحرمات أهل الكويت، وجردت وطنهم من شرعيته لتقبع على صدره طوال سبعة شهور كادت أن تكون دهورا ، لولا إرادة الله وعزائم ذوي العزم من أشقاء و أصدقاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج.

ولعل الدكتور خليفة الوقيان كان أبلغ من عبر عن معاناة  الشعب الكويتي إبان الاحتلال ، حين قدم لقصيدة (الاستعمار العربي) للشاعر المصري الكبير المرحوم عبد الرحمن الأبنودي ، حين ألقاها في المسرح القومي  بالقاهرة في التاسع من يناير 1991 ، وذلك بالوصف التالي:-

(( في أجواء دفع فيها أطفال الكويت الخدج أنفاسهم الرقيقة أجرة لنقل حاضناتهم إلى حاضرة الحضارة العربية بغداد ، وآثروا السكن في القبور الجماعية، ودفن فيها آباء وأمهات فلذات أكبادهم في رمال الصحراء اللاهبة حين قتلهم الظمأ وهم يحاولون الفرار بهم من جحيم الرعب في القادسية الثالثة ، وحين أطلقت رصاصات حماة البوابة الشرقية في عيون وأفواه قطوف من شباب الكويت العروبين الذين كانت أقصى جرائمهم حب بلدهم وأمتهم الذي لم يمكنهم من مباركة الباطل .

وعلى الرغم من أن أباء وأجداد أولئك القطوف المباركة غرسوا جماجمهم وأطرافهم في قيعان البحار لتأمين حياة كريمة لأطفالهم وحرائرهم حين لا نفط ولا ثراء ولا طامع بأرضهم الفقيرة مثل من هرول إليهم بعد تلك اللعنة المسماة (نفطا) وابتلينا بها دون سوانا من النفطيين الخليجيين وحملنا أوزارها ليأكل لحومنا أشقاء كنا قد ائتمناهم !!!))  .

أقول حين كان ذلك كله خرجت إلينا تنظيرات تصحيح أوضاع الخريطة بين عرب المدن وعرب الصحراء، حيث لا يجوز للثلة الثانية أن تجرؤ على امتلاك خيرات وهبتها إياهم الطبيعة وتبقى ثلة المدن رازحة تحت نير الفقر الذي ليس من صنع الطبيعة، بل صناعة الحكام والطغاة الأشرار ، فبلادهم أوفر غنى وأوسع حظوظا من كافة دول الصحراء ، لولا فارق سوء و حسن الإدارة بين هؤلاء وأولئك.

تنظيرات جاء بها مثقفوا العرب آنذاك ومن أبرزهم كان المفكر العربي الاستراتيجي، وكاتب العصور (محمد حسنين هيكل)، ولم تقل صدمة تنظيراته وطأة على نفوسنا وضمائرنا من وطأة فظائع الغزو والاحتلال.

واليوم و بعد أن تابعنا  أحداث (عاصفة الحزم) وما تلاها ، وما يتصل بها من منازلات ومحاورات سياسية عبر الفضائيات العربية تلفزيونا وإذاعة، تفاجئنا (التنظيرات الهيكلية) من جديد خاصة عبر المحاورين اللبنانيين المنتمين لأحزاب سياسية محسوبة على إيران أو قريبة منها ، حيث يجنحون في محاوراتهم السياسية إلى الشتائم والردح اللفظي العنصري البغيض بحق المملكة العربية السعودية ودول الخليج باعتبارهم بدو، وأهل صحراء وراكبي جمال متخلفين لا يجوز لهم مناطحة أسيادهم من عرب المدن وخاصة أهل الشام (المتحضرين) الذين (برأيهم هكذا) هم من علمنا في الخليج صنوف التحضر بعد أن كنا غارقين بمهاوي البادية!!

رؤى غريبة تدعوا للألم والحسرة تصدر ممن يتصدرون موائد الثقافة ويمتطون صهوات منابر الرأي والثقافة متأثرين بقدواتهم من أمثال (محمد حسنين هيكل) وهم يختزلون قضايا الأمة بمفاهيم عنصرية لم تعد صالحة للقرن الحادي والعشرين حيث تقوم موازين التحضر فيها على مقدار ما تحققه  الأنظمة السياسية من أمان وسلام ورخاء لشعوبها، ومقدار ما تحسن فيها تلك الأنظمة إدارة ثروات تلك الشعوب لتنعم بها لا أن تتحول نقمة عليها،في حين أن مدّعوا الحضارة والتحضر يمطرون شعوبهم نظريات وأوهاماً ويملئون بطونهم شعارات لا تقوى على سد رمقهم و أحشائهم الجائعة قبل أن تسوقهم إلى السجون أو المنافي أو المقابر !!

يوسف عبد الحميد الجاسم الصقر

Email: yousef@6ala6.com

30-4-2015