(( الأزمان بين التوقير و التحقير))

تكرر سؤالي في الآونة الأخيرة لماذا أنت متوقف عن نشاطاتك الإعلامية؟!

وجوابي كان ولا يزال أنني أشعر بالغربة أو الاغتراب عن المجال الإعلامي في مرحلتنا القائمة، مبعثها الأجواء العامة الملبدة بالغيوم والبروق والرعود و(الأمطار الحمضية) التي تهطل علينا بين فترة وأخرى في النواحي السياسية و الاجتماعية و القيمية والأخلاقية.

نشاطاتي الإعلامية رأت النور في مطلع السبعينات من القرن الماضي واستمرت حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، في أجواء ملؤها التسامح والتداول الديمقراطي الوادع حين يكون هناك اختلاف في الرأي السياسي أو الثقافي والأيدلوجي والاجتماعي، و(التوقير) كان أساس ذلك التداول حيث يحترم الصغير الكبير ويفسح الكبير للصغير المجال لقول رأيه دون تعسف، ويتقبل كل طرف رأي الطرف الآخر دون تجرؤ أو تشنج أو اقتتال أو شتائم أو سباب .

تقلبت خبراتي في أطر تنظيمية و قانونية رحيمة بقضايا الرأي لا (الشتائم)، لا تعنف وتحقق مع مديري أو معدي الحوارات أو أصحاب القنوات التلفزيونية وتتم جرجرتهم في أروقة النيابة والمحاكم ثم قد ينتهي بهم المطاف إلى السجون !! حتى جاء قانون المرئي والمسموع (انتقامي النفس) ، (بوليسي الترصد) ، وضعه و بإصرار برلمان كان يستهدف من أسماه بعض أعضائه (الإعلام الفاسد) بانتقائية وفوقية لم تحسب أنها سحر سينقلب على الساحر، فاجتاح ذات القانون في مساره منافذ إعلامية مناصرة لأولئك النواب الذين صمموه وهندسوه ودفعوا به  إلى الوجود.

تقلبت خبراتي في أجواء حوارية رفيعة يختلف فيها المتحاورون دون قذف أو تلاسن أو تشهير ويصافحون بعضهم بعضا عند الانتهاء من الحوار، ويمضي كل منهم إلى غايته بسلام.

أجواء لم يتحول فيها (التوقير) إلى (التحقير) و(الاستقصاء) إلى (الاستفزاز) و (التهدئة) إلى (التحريض) .

أجواء لم يكن فيها أساس التعاقد مع (بعض) مديري الحوارات هو انضمامهم إلى ميليشيات المختلفين من ذوي الجاه والسطوة و النفوذ، والمنتشرين في منافذهم الإعلامية المختلفة و(بعض) منافذ وسائل التواصل الاجتماعي ، وشحذ هممهم وأقلامهم وقدراتهم الذاتية في شن حروب لا تعرف الفروسية أو النبل ضد خصوم ذلك المتنفذ و صاحب دفتر الشيكات !! وتراهم مقاتلين يجيدون فن الاختباء في جيوب من يدفع أكثر!! هذا مع التقدير للبعض الآخر المحترم من العاملين في القنوات التلفزيونية الخاصة

أجواء لم يكن فيها الطرح مبنى على ما يريده (الشباك) ، ولكن على ما يتعطش له (العقل) .

لذلك كان هذا كله شعوري بالغربة والاغتراب عن مرحلة الاستباحة الشاملة لكثير من القيم المهنية والأخلاقية والاجتماعية والديمقراطية، التي رسمت المشهد السياسي و الأخلاقي والإعلامي في سنواتنا الأخيرة (مع الأسف الشديد).

والله المستعان،،،

 

يوسف عبد الحميد الجاسم الصقر

Email: yousef@6ala6.com