((إنى لأرى رؤوسا ...))

6/6

((إنى لأرى رؤوسا ...))

بقلم يوسف عبد الحميد الجاسم الصقر

 

 

 

الحجاج بن يوسف الثقفي ولد في الطائف في الحجاز عام 41 للهجرة ومات عام (95هــ) , ولعب دورا كبيرا في تثبيت أركان دولة (بنو أمية) ,وسير الفتوحات , وخطط المدن وهو من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ العربي والإسلامي , وكان أشهر ألقابه (المبير) أى المبيد .

قامت شخصيته على صفات دكتاتورية خارقة , وقال قولات رددها الزمان بعده تقوم على الترهيب والقسوة مثل ( إن للشيطان طيفا , وان للسلطان سيفا) ولم يقل للسلطان حكمة , أو ورعاً, أو عدلاً, أو تقوى.

أما خطبته الأشهر في الكوفة التي اقتطف بعضا منها  فكانت في ظهيرة يوم من شهر رمضان حين تولى الحكم في العراق وتوجه من على المنبر إلى شعبها المصدوم ببيتين من شعر ثمامة بن سحيل بن وائل:-

أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا ...متى أضع العمامة تعرفوني

صليب العود من سلفي نزار... كنصل السيف وضّاح الجبين

ثم بدأ نارياته القول :-

((يا أهل العراق , يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق , والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتى إليكم فقد دعوت الله أن يبتليكم بي !!ولقد سقط منى البارحة سوطي الذي جئت لأؤدبكم به, ولكن سيفي اتخذ مكان سوطي !!

والله لآخذن صغيركم بكبيركم , وحرُّكم بعبدكم ,ثم لأرصعنّكم رصع الحدّاد الحديدة, والخبّاز العجينة..

أما والله إني لأحتمل الشر محمله , وأحذوه بنعله , وأجزيه بمثله ,وإني لأرى رؤوسا أينعت وحان قطافها, وإني لأرى الدماء بين العمائم واللحى )) ثم استرسل الحجاج يشرح لأهل العراق مسوغات توليته حكم العراق وما يتبعه من أقاليم كبيرة وذلك في السنة الخامسة والسبعين للهجرة, على يد الخليفة عبد الملك بن مروان حيث رأى عبد الملك أن لا ينفع بحكم أهل العراق غير ذو سطوة وقهر وقسوة وإقدام مثل الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال :-

 

" إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرّها عوداً وأصلبها مكسراً , فوجّهني إليكم , فإنكم طالما أوضعتم في الفتن وسننتم سنن الغي , أما والله لألحونّكُم لحوَ العصا , ولأعصبنّكم عصب السلمة , ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل ..وإني والله لا أعد إلا وفيت , ولا أخلق إلا فريت .. و والله لتستقيمُنَّ على سبل الحق , أو لأدعنَّ لكل رجل منكم شغلا في جسده , ولأهبرنكم بالسيف هبرا , يدع النساء أيامى , والولدان يتامى " .

حكم الحجاج العراق ودانت له بالدم والبطش أحوال المُلك وقطع دابر الفتن , هابه شعبها ولم يحترمه , أطاعه ولم يكرمه ولم يكره واليا عليهم مثلما كره ذكر الحجاج الذي بادلهم كرههم بمثله، ومفارقة الزمان أن الثقفي (المبير) استدرج احتقار شعبه له حين لم يستطع فرض احترامه على زوجته هند بنت نعمان البشير , حيث أنشدت فيه :-

وما هندُ إلّا مهرةً عربيةً........ سليلةَ أفراسٍ تحلّلها (بغلُ)

فإن ولدت فحلاً فللّه درّها....... وإن ولدت بغلاً فجاء به البغلُ

 ويبقى السؤال بالنظر اليوم إلى أحوال الفتن التي تجتاح عالمنا العربي وما آلت إليه أمور الشعوب من تردّي، هل هو بحاجة لحجّاجين جدد لا سمح الله لتحقيق الاستقرار والسكينة بين جنباته؟؟!