ربع قرن مضى على الغزو
، ونشأ جيل تمت ولادته خلال شهوره الحالكة السواد، وأنهى ذلك الجيل دراسته الجامعية
والعليا اليوم وانخرط في مسؤولياته المجتمعية، وهو لا يعرف عن الغزو
وأحداثه ، الا من خلال سوالف الكبار وبعضاً مما يقرأ أو يشاهد أو يسمع في وسائل
الاعلام، وأخذت أجيال الكبار التي عاصرت الغزو بالتواري إما لأسباب الوفاة،
أو لأسباب التقدم بالعمر، ولن يبق بعد ربع قرن قادم ، سوى أعمال التوثيق المرئي
والمكتوب شاهدا على أحداث الغزو غير المسبوقة في الذاكرة الإنسانيه ، التي ستسجل
ضآلة ما أنجزناه مع الأسف من أعمال توثيقية ليوميات الغزو وآثامه، وبطولات وتضحيات
أبناء الشعب الكويتي إبان تلك المرحلة من تاريخنا الحديث.
أقول ذلك مع تقديري
لأعمال التوثيق التي قام بها مركز البحوث والدراسات الكويتيه وعلى رأسه
الباحث الكبير الأستاذ الدكتور عبدالله الغنيم ، وغيره من أفراد ومؤسسات اجتهدت
بصدق في تسجيل أحداث الغزو وأعمال النهب والتدمير والقتل والتعذيب التي قام بها
الغزاة ضد شعب آمن مسالم، مثلما اجتهدت بتدوين بعض ملاحم التضحيات والفداء التي
سطرتها طلائع شهداء وشهيدات الغزو الآثم أمثال (أسرار القبندي )و(وفاء العامر)
و(أحمد قبازرد) و(مبارك فالح النوت)، وشهداء ملحمة (بيت القرين) وبطولاتهم
الأسطورية ، وغيرهم من المقاومين والأسرى الذين قضوا نحبهم دفاعا عن أرضهم
وأعراضهم وكرامة وطنهم، وعّمدوا حبهم لوطنهم بصفحاتٍ مخضبة بدمهم الطاهر.
ولعل الكثيرين منّا لا
يخفون امتعاضهم من ضآلة جهود الدولة في توثيق أحداث الغزو بما لا يتلاءم مع
جسامتها ولا يتناسب مع بطولات قوافل شهداء المقاومة والأسْر والإعتقال الذين
سطّروا أمجاد بلادهم بأعمالهم البطولية.
كما لايُخفي الجميع
الإستياء من التبريرات الواهية لعدم إطلاق أسماء شهداء الغزو على شوارع
ومرافق الكويت ، في الوقت التي رفعت على لافتاتها أسماءً نًُجِل ونقدر أصحابها
ولكننا على يقين أنهم
أنفسهم لا ينكرون على مواكب الشهداء فضلهم على وطنهم الذي يفوق بدرجات فضل
الكثيرين ممن علقت أسمائهم على بعض الشوارع والمرافق .
إن في الوقت فسحة،
تمكّن من بيده الأمر، توثيق بطولات شهداء الغزو كتابيا وإلكترونيا وفيلميا، وإطلاق
أسمائهم على مرافق وشوارع ومراكز خدمات المناطق التي تم تعذيبهم واستشهادهم فيها،
وكذلك تدريس بطولاتهم وتضحياتهم واستشهادهم من خلال المناهج الدراسية ، في زمن طغت
فيه هوامش الأفعال على مفازات الأبطال، وتراجعت فيه قيم العمل والاجتهاد وتقدمت
عليها مفاهيم التسطيح والريعية والإبتذال..
ولعل أقل واجباتنا ونحن
نراجع صفحات دفاتر الغزو، أن نحفر أسماء قوافل شهداءه في ذاكرة الوطن والأجيال
القادمة التي ستلعننا إذ لم نترك لها في ذكرى أهم أحداث تاريخها الوطني سوى أناشيد
تتغنى بأن هذا أهو الكويتي ( خُف طينه أبد ما صارت.. جمال وذوق وكشخه ، من لويته
إتعرفه !!!!!) إلخ.
ونتسائل هل (هذا أهو
الكويتي) الذي نفتخر به ؟! أم هو الكويتي والكويتية الذين رووا
بدمائهم الزكية أرض وطنهم إبان أعتى وأشرس غزو عربي لأخيه العربي عبر تاريخ الأمة
العربية الطويل !!
سيلعننا أبناء الغد حين
يكتشفون أننا إستكثرنا مجرد توثيق بطولات شهدائنا في ذاكرة تاريخ بلادهم ، بحجة
متهافته يقول بها البعض ومفادها أن الشهداء ليسوا فقط شهداءالغزو بل شهداء كافة
الحروب التي خاضتها الكويت، وردّنا على ذلك: ما الذي يمنع توثيق كافة بطولات شهداء
الوطن في جميع الأزمان ؟؟
إن شعوباً بلا ذاكرة
مدوّنه هي شعوب بلا تاريخ ، والتوثيق هو سجل الزمن لحياة الأشخاص والشعوب
والأمم، وهو شاهد على تاريخها، فهل نعي ذلك ونحن نقلب صفحات دفاتر الغزو المقيت
؟!!
في الختام :
كل عام وأنت عزيز
يا (وطن النهار)، كما هي رائعة الثلاثي المبدع بدر بورسلي وسليمان المُلا
وعبدالكريم عبدالقادر..
* ملحوظة:
مالم يقله الدكتور نجم
عبدالكريم في وداعه لهيكل الأربعاء الماضي في جريدتنا ( الجريدة ) وفي إشارة
لكتابه ( حرب الخليج .. أوهام القوة والنصر)، أن المرحوم كان صاحب المقولة الصادمة
في أوائل أيام غزو العراق للكويت ، أن الغزو هو عملية تصحيح تاريخي لوقائع التاريخ
بين عرب المدن وعرب الصحراء فاجتياح العراق للكويت كان بداية ذلك التصحيح (هكذا
كانت مقولة هيكل) ،وهي المقولة التي ظل المرحوم يلهث لإثبات صوابها منذ أطلقها
وحتى مماته، دون أن يقنع أحداً بها إلا من ظن من قرائه أنه لا ينطق عن الهوى!! كما
أن هيكل لم يخبرنا في نبوئاته أن تصحيح الخطأ التاريخي المزعوم سوف يجعل من
العراق والعرب ماهم عليه الآن من (تيه) يحتاج لألف من المنظرين أمثاله
لإعادة ترميمه!!
مشكلة المثقفين العرب
يا أبا أمجد، أنهم على يقين أن أمتهم لا تقرأ وإن قرأت لا تتذكر!!
عموما، رحم الله الكاتب
الصحفي محمد حسنين هيكل كما تمنيت يا أخي الدكتور نجم !!
فالكويت بقت.. وهو قد
غادر .
يوسف
عبدالحميد الجاسم
&<634;&<632;&<633;&<638;/&<634;/&<634;&<638;