ما هُم ؟ لا من هُم؟

الفارق حرف واحد بعد حرف الميم، (ألِف) في العالم المتحضر  تضع الإنسان في صيغته الذاتية المجردة ( ماهو؟ ) أو ( نُون ) ( من هو؟) في العالم المتخلف،  حيث تسلخ الإنسان من ذاته التي هو عليها علماً أو خلقاً أو حنكةً أو موهبة، وتجعل من انتمائه العائلي أو القبلي أو الطائفي أو العنصري  أو ولائه لا كفاءته أساسًا للاعتبار .

 

أمريكا بعظمتها اختارت (باراك أوباما) رئيساً لها من أصل كيني ومنبت مسلم ،لدورتين رئاسيتين متتاليتين ، وفرنسا العظمى إختارت (رشيدة داتي)  و(نجاة بلقاسم) و(يمينة بن جيوي) وزيرات في حكومتها، ولندن عاصمة بريطانيا العظمى والإمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس، انتخبت  ( صادق خان )  عمدة لها  مرشحاً عن حزب العمال ليس لأنه ( مسلماً) واستبعدت الملياردير ( زاك جولد سميث) مرشح حزب المحافظين ذو العنق الأحمر وذو الجذور البريطانية الراسخة، ليس لأنه (مسيحياً)، فالشعوب المتحضرة في تلك الدول العظمى لم ولا تلتفت  في اختياراتها إلى أصول وفصول وديانات أو مذاهب هذه النماذج الثلاثة الكبيرة، بل كانت

الكفاءة أساساً للاختيار.

 

الأسبوع الماضي أرسلت  بريطانيا العظمى رسالة حضارية لمجتمعاتنا المتخلفة التي تقيمّ الإنسان فيها على قاعدة (من هو؟ وابن من؟ ) لا (ماهو؟ وما هي  قدراته الذاتية؟) .

 

(صادق خان )عمدة لندن الجديد، كان نجم الأحداث خلال الأسبوع الماضي ، وذلك لجهة الرسالة الحضارية البراقة التي أكّدها الشعب البريطاني العريق من خلال تزكية مهاجر باكستاني لمنصب عمدة العاصمة الكبرى وهو الذي هاجر إلى بريطانيا( فقط )عام &<633;&<641;&<639;&<632;  مع أسرته الفقيرة وقوامها سبعة أولاد وابنة واحدة، يصطحبهم أبٌ كادح يعمل سائقاً لحافلة نقل عام وأمٌ خيّاطة، ومن قبل ذلك تعامل البريطانيون مع ( صادق خان ) كمحام وسياسي لامع  وانتخبوه عضواً في مجلس العموم  العريق، واختير مستشارا للحكومة في البرلمان ووزيراً للنقل والمواصلات ثم وزيرا للمجتمعات في الحكومات البريطانية  التي لا يتسنّم المسؤوليات فيها سوى نخبة وصفوة العقول والكفاءات.

 

في حين لم يلتفت الشعب البريطاني باختياره (لصادق خان ) في شتى المواقع إلى منبعه أو  دينه أو مهنة أبيه أو أمه أو أقربائه، بل  التفت إلى كفاءته وثقته بإنجازاته وإفادة شعبه وأمته ، فإن البعض مناّ عرباً أو مسلمين قد انشغل في تفسير

الحالة على  أنها بزوغ لفجر الإسلام  في بريطانيا وبشرى لانحسار الديانات الأخرى !! والبعض الآخر انغمس في تخلّفه منشغلا في التساؤلات المأزومة :

هل صادق خان شيعيٌ من (الروافض) ؟ وآخر تسائل هل هو سنيٌ من (النواصب) ؟ وذلك لاتخاذ كل منهم موقفه بشأن  اختيار البريطانيين  لصادق خان عمدة للعاصمة الكبرى (لندن)! 

 

  ألم يقل المتنبي :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ

 

و: يا أُمَّةً  ضحكت من جهلها الأممُ ؟!

 

يوسف عبدالحميد الجاسم

 

&<634;&<632;&<633;&<638;/&<637;/&<633;&<635;