نحن والدنمرك والفساد

6/6

نحن والدنمرك والفساد

 

الفساد المالي والإداري والأخلاقي ظاهرة إنسانية تعاني منها جميع الدول والأمم.ويتخذ الفساد أشكالا وصورا مختلفة في كل جانب من جوانبه المظلمة، وتتسابق الدول على محاصرة هذه الأشكال  من خلال تطبيق المنظومات القانونية والتنظيميه وعبر تحصين المجتمع بالضوابط والروادع الدينية والأخلاقية والتربوية والتثقيفية  التي تعتبر المدخل الأول لمحاربة الفساد وقهره والخلاص منه.   

الدنمرك  اعتمدت سلاح الأمانة والإتقان والتفاني بالعمل كمدخل لبناء الإنسان والدولة بشكل عام. وأخذت من كافة الأديان السماوية معاييرها في الانضباط الأخلاقي وأضافتها على موروثها الأخلاقي قبل الديني، لتحقق من خلالها وعبر أدواتها وصيغها الإدارية المتفردة المركز الأول عالميا في النزاهة   وانعدام الفساد تليها نيوزيلاندا وشقيقاتها في الدول الإسكندنافية التي تركت  دول العالم تجري خلفها بمسافات بعيده حسب مقاييس  مدركات الفساد.

هناك أيضا النموذج الياباني  الذي حقق أعلى المقاييس العالمية تقدما وتحضرا وتفوقا في شتى الميادين الحضارية والإنسانية والذي أبهر العالم بإنجازاته  التكنولوجية والصناعية والاقتصادية وجعل اليابان  تحتل مكانتها المرموقة في عالم الكبار،واعتمدت الأسطورة اليابانية  على الوازع الأخلاقي في الأداء عبر ديانتها الأرضية فأصبح ليس  أمام الفاسد الياباني حين ينفضح أمره سوى الانتحار!

الفساد لدينا في الكويت ومع عميق الأسف أصبح مؤسسيا وسرطاني الملامح، ولا زلنا ( يا للخجل) نحتل مراتب متقدمة في مدركاته عالميا و مراكز متأخرة في مكافحته، وأصبحت العناصر الفاسدة  في المؤسستين التنفيذية والتشريعية تتبارى وتتشارك  بتوليد أشكال الفساد المختلفة من واسطات ومحسوبيات وتهالك في قيم الإنتاج والأمانة ونظافة اليد .

  مؤسسة  الفساد السرية لدينا أصبحت تتفنن بتوسيع دوائره وترسيخ أقدامه إلى حدود مذهله ،فأصبح غولًا يقهر قدرات  الكوابح الدينية والأخلاقية والتربوية والعقابية والرقابية على  تطويق آثاره ، بالرغم من وجود أكبر الشبكات الوقائية ضد الفساد في العالم  لدينا.

الرشوة والتربح غير المشروع وجني العمولات من عقود المشاريع كبيرها وصغيرها حتى أبسط المعاملات الحكومية أصبحت شروطا لتمريرها من قبل المؤسسة السرية ، وغدت هذه الظاهر حالة كويتية متفردة وأصبحنا مضرب المثل وللأسف كبقعة جغرافيه يستوطنها الفساد ويفتك بتنميتها ويشدها إلى الخلف في زمن التقدم وإلى الهاوية في زمن الإرتقاء، والأمثلة على ذلك لا تتسعها مساحة المقال.

الغالبية تتراجع عن فضح المرتشين والمفسدين حرصاً منها على مصير مصالحها معهم، فتنغمس  بدفع الرشاوي والسكوت عن الخراب وسط تلك الدائرة الجهنمية من نفوذ المفسدين في معظم الدوائر الحكومية خاصة .

 

أطاحت أخطائنا التشريعية بهيئة مكافحة الفساد، وأعيد إحيائها تشريعياً ولكن يداها لاتزال  مغلولتان 

لعدم صدور لائحتها التنفيذية حتى الآن!

سمعنا بأن هناك قوائم بالمسئولين المعطلين للتنمية طلب سمو  رئيس مجلس الوزراء تقديمها له، ولكننا لم نرها بعد ولم نسمع عن محاسبة وعقاب  المقصرين!

 نحن دولة لا تجيد إصدار قرارات  الإعفاء للفاسدين والمقصرين مثلما

تجيد إصدار قرارات التنفيع!

 لم نسمع عن فضح ومسائلة وعقاب مرتشٍ واحد ولا كبيرٍ واحد ممن يقفون وراء الفساد الذي تنوء بحمله البعارين) أو من هم وراء أكبر وأخطر شبكات تهريب المخدرات والممنوعات!

 الفساد هو أكبر خطر  نواجهه حاضراً ومستقبلاً، ومكافحته أمرٌ مستحق علينا جميعا، والأخطر من الفساد هو فساد مكافحته!

يوسف عبدالحميد الجاسم

&<634;&<632;&<633;&<638;/&<641;/&<634;